أرشيف لـأفريل, 2018

* تم نشر هذا المقال في صحيفة العرب القطرية بعد الحصار الذي بدء في يوم ٥/٦/٢٠١٧

نحن قوم ملتزمون بمبادئنا وقيمنا، لا نعيش على هامش الحياة، ولا نمضي تائهين بلا وجهة، ولا تابعين لأحد ننتظر منه توجيهاً.. كلمات سيدي سمو الأمير هي نبراسنا نستقي منها منهجنا في خدمة هذا الوطن، إن إيمان كل مواطن بهذه الكلمات الخالدة جعل من قطر دولة ذات استقلالية في مختلف المجالات، ولعل ما نعيشه في هذه الأيام خير مثال على ما تجسد من تكاتف الشعب مع القيادة في مواجهة ظروف مفاجئة، بينت رؤية القيادة في تعزيز استقلالية قطر في مواجهة أي ظروف كانت.

إن حصار (الدول الثلاث) طال كل مجالات الحياة في وطننا الغالي.. فما مدى تأثيره على قطاع التكنولوجيا في قطر؟

بكل فخر لم تؤثر هذه الأزمة على دولتنا الحبيبة في قطاع التكنولوجيا بتاتاً، تعتمد دولة قطر في وارداتها التكنولوجية على أسواق شرق آسيا وأوروبا وأميركا، ولا تعتمد إطلاقاً على الدول المقاطعة في أية واردات تستحق الذكر في سوق التكنولوجيا المحلي، لقد قطعت دولة قطر شوطاً كبيراً في تشجيع جهات الدولة المختلفة على بناء مراكز بيانات خاصة بها على أعلى المستويات، بالإضافة لمراكز بيانات مساندة (Disaster recovery sites) وفق أحدث المعايير العالمية في داخل الدولة، بالإضافة إلى اعتماد بعض الجهات على مراكز بيانات مساندة خارجية، في غالب الأمر، تتركز في أوروبا بعيداً عن الدول الثلاث.. كما تفخر الدولة بوجود شركات وطنية أنشئت وتدير خدمات مراكز البيانات وتؤجرها لمختلف الجهات في الدولة التي لا تملك مراكز بيانات خاصة بها، وفق أفضل المعايير العالمية. لقد دأبت كبريات الشركات في مجال تكنولوجيا المعلومات في افتتاح فروعها في دولة قطر لدعم وتوفير متطلبات المشاريع المختلفة في هذا القطاع الحيوي، فلا حاجة فعلية للدولة بكوادر هذه الشركات من الدول المجاورة.. لم يتوقف دور الدولة عند توفير التقنية، بل استثمرت الدولة في عقول أبنائها بتوفير حاضنات المشاريع التكنولوجية المختلفة، وشجعت على الابتكار والاختراع ضمن واحة قطر للتكنولوجيا والعلوم، كما استقطبت أرقى الجامعات المعنية بالتكنولوجيا لتفتح فروعها في الدوحة كجامعة كارنيجي ميلون الشهيرة..

ولم تنس قيادتنا الحكيمة جامعتنا الوطنية التي كان لها نصيب الأسد في استقطاب أفضل الكوادر التدريسية في تخصصات الحاسب في كلية الهندسة، والذي أهّلها للحصول على الاعتماد الأكاديمي العالمي والمعروف بـ”ABET”. إن هذه المنظومة التكنولوجية المتكاملة في دولتنا الحبيبة وضعت أساساً صلباً للقطاع التكنولوجي، يسمح للدولة بالمضي قدماً في كل ما تتطلع إليه.. قطر لا تُعزل يا سادة.. فقطر دولة ذات سيادة

* تم نشر هذا المقال في صحيفة العرب القطرية بعد اختراق وكالة الانباء القطرية ونشر تصريحات مكذوبة و منسوبة سمو الآمير.

بات جلياً أن الحروب في يومنا هذا لم تعد تدار في ساحات المعارك، بل إن التكنولوجيا أصبحت ساحة مفتوحة لصراعات سياسية واختلافات فكرية، هذا الأمر جعل من الساحة التكنولوجية بيئة خصبة للمنتفعين والمرتزقة الذين يقتاتون على مثل هذه الصراعات، وقد بلغت حالات الاختراق في السنوات الثلاث الماضية أوجَهَا، وكان لكل عملية اختراق بُعدُها السياسي وهدف موجَّه، ولم تَستثْنِ هذه الصراعات دولاً من أخرى، فيكفي لنا أن نتأمل أن هذا الأمر ألقى بظلاله على أكبر الأحداث السياسية حول العالم كانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة وفرنسا، فأصبحت هذه الساحة مجالاً خصباً لإدارة الحروب بين الأطراف المختلفة.

وما يهمنا كمتخصصين تِقَنيِّين هو كيفية حماية جهاتنا الرسمية والخاصة من أن يطالها هذا الوباء، أو أن تكون جزءاً من هذه الحروب، حتى وإن كان ذلك دون قصد، وللأسف يخطئ الكثير من المتخصصين تقنياً في حصر خطر الاختراقات لأنظمة مؤسساتهم في الجانب التقني فقط، وأنا هنا من وجهة نظري الشخصية أزعم أن الخطر التِّقني المسبب للاختراقات قد لعب دوراً لا يتعدى %10 من غالبية الاختراقات المسيسة التي حصلت في السنوات الأخيرة، وأن بقية الاختراقات تمت عبر اختراقات داخلية لمؤسسات كثيرة حول العالم، وما يجهله الكثير من المتابعين لهذه الاختراقات أن على الشبكة هناك عالم آخر يدعى بالـDark web وهو عبارة عن سوق سوداء للممنوعات بكل أنواعها من مخدرات، وأسلحة، وإباحية، بالإضافة لتواجد كبير للهاكرز، وتتميز هذه الشبكات بأنها لا تتم أرشفتها في محركات البحث فهي تستخدم تقنيات معينة تجعل الاتصال مباشراً بين أطراف هذه الشبكات أو كما يعرف بـpeer-to-peer connections لذلك يصعب السيطرة على تلك الأنشطة.

وتعتبر هذه الشبكات سوقاً مفتوحاً لثغرات الجهات الرسمية حول العالم في جميع القطاعات المختلفة من قطاعات طاقة، وبنوك إلى بقية الأنشطة المتواجدة بكل دولة، فلا غرابة أن تجد هناك قاعدة بيانات معروضة للبيع تخص عملاء بنك في أوروبا، أو قاعدة بيانات أخرى تحمل معلومات شركة نفطية في الشرق الأوسط، إن محاربة الاختراقات في المؤسسات الرسمية تحتاج اتساعاً للأفق في إدارات تكنولوجيا المعلومات في كافة المؤسسات، ورقابة مهنية لجميع الكوادر الفنية في تلك المؤسسات، وكافة أنشطتهم في المؤسسة، والثقة مهمة لكنها ليست ضماناً لسلامة أمن معلومات أي مؤسسة، كما يجب أن تكون تلك الاحترازات جنباً إلى جنب مع إحدث الحلول التكنولوجية في مجال مراقبة الأداء وأمن المعلومات لأنظمة المؤسسة، ومن المهم أن يكون عمل إدارات تكنولوجيا المعلومات في المؤسسات بروح الفريق الواحد بعيداً عن الاعتمادية على الأشخاص، بل يكون العمل جماعياً لا يتأثر بتواجد عنصر من الفريق دون الآخر، ومن الضروري على جميع المؤسسات أيضاً أن تحمي نفسها قانونياً باتفاقيات عدم إفشاء السرية التي تتيح للمؤسسة ملاحقة كل مسرب لمعلوماتها دولياً.

أخيراً.. نسأل الله أن يحفظ لنا وطننا، وأميرنا، وأن يسخرنا لخدمتهم فيما يحب ويرضى

لم يكن من الوارد التنبؤ بأن التغييرات التي تطرأ على المجال التكنولوجي قد تؤثر على أحد كبار هذا القطاع.. فهذا القطاع يشهد شركات رائدة هي التي تقود دفة التطور وترسم استراتيجية التقنية لسنوات قادمة.. والأمثلة على هذه الشركات كثيرة وقد يكون أهمها جوجل، أبل، أمازون.. ومايكروسوفت المعنية بمقالي هذا.

عاشت مايكروسوفت في السنوات السابقة اضطراباً رهيباً، التحول السريع في تعاطي المستخدمين مع التكنولوجيا الجديدة وثورة الأجهزة الذكية أربك العملاق التقني ودفع مسيري الشركة في تلك الفترة إلى الاستعجال في اتخاذ قرارات في وجهة نظري زادت وضعهم سوءاً، كان رهان مايكروسوفت على إرثها الكبير ومكانتها التي ظنوا أنها في معزل عن الأزمات، كابرت الشركة وحاولت أن تواكب الأجهزة الذكية الجديدة بطرح نسخة من نظام ويندوز فون وروجت لوجود حزمة الأوفيس بشكل حصري على أجهزتها، اتبعت هذا الأمر بطرح الجيل الأول من مايكروسوفت سيرفس بنظام ويندوز ٨ الذي طالته تحديثات جعلته نظاماً هجيناً لا ينتمي لأي تصنيف تقني واضح، وبدا سيرفيس-١ الذي روجت له أنه الجهاز اللوحي الحقيقي وكأنه مجرد جهاز كمبيوتر بشاشة لمس.. لم يتوقف الأمر عند هذا فأطلقت مايكروسوفت نظام ويندوز RT والمعني بالأجهزة اللوحية، وحاولت أن تستقطب المطورين لإطلاق برمجياتهم لهذا النظام الغريب والذي لا مبرر لوجوده.. كل هذه الإجراءات المتسرعة كان من شأنها أن تضع مايكروسوفت في أزمة حقيقية.. هذه الضغوط عجَّلت من تنحي الرجل الأول الذي كان خلف جميع هذه القرارات الخاطئة في سنة ٢٠١٤ وهو ستيف بالمر، وهو أحد مؤسسي مايكروسوفت وأبرز قياداتها.. ولكن كان جلياً أنه لن يكون رجل المرحلة، تولى منصب الرئيس التنفيذي خلفاً لبالمر رجل آخر جاء من الظل وهو ساتيا ناديلا الأميركي ذو الأصول الهندية، بدأ ساتيا مسيرته بوضوح مع نفسه قبل أن يكون واضحاً مع الساحة التقنية بإعلانه الاستسلام في مواطن الخلل والتركيز على نقاط قوة شركته وتطويرها.. أصر ساتيا على بناء شراكات مع بقية كبار المجال فأعلن عن إطلاق حزمة أوفيس للآيباد وبشكل مجاني، وأصبحت غالبية منتجات مايكروسوفت cross-platform بتوافق تام مع مختلف أنظمة التشغيل.. وضع ساتيا كل تركيزه في إعادة بناء ويندوز الذي تضرر كثيراً بسبب نسخة ويندوز ٨ السيئة للغاية وعكف على تطوير ويندوز ١٠ الذي أعاد مايكروسوفت بقوة لساحتها المفضلة.. فقد أعلنت الشركة مؤخراً أن عدد الأجهزة التي تعمل بنظام ويندوز ١٠ حول العالم تخطى نصف مليار جهاز.. عزز ساتيا صدارة مايكروسوفت وريادتها في تقديم الخدمات لقطاع المؤسسات والشركات واستثمر أكثر من ١٢ مليار دولار في تطوير وتوسيع البنية التحتية لشبكة مايكروسوفت Azure والتي تقدم أكثر من ٦٠٠ خدمة مختلفة عبر الكلاود.. اليوم نرى وبشكل جلي عودة مايكروسوفت للحياة وتطويرها تقنيات مبتكرة في مجالات لها مستقبل كبير وواعد.. فأهلاً بعودة مارد التكنولوجيا من جديد!