لم يكن من الوارد التنبؤ بأن التغييرات التي تطرأ على المجال التكنولوجي قد تؤثر على أحد كبار هذا القطاع.. فهذا القطاع يشهد شركات رائدة هي التي تقود دفة التطور وترسم استراتيجية التقنية لسنوات قادمة.. والأمثلة على هذه الشركات كثيرة وقد يكون أهمها جوجل، أبل، أمازون.. ومايكروسوفت المعنية بمقالي هذا.
عاشت مايكروسوفت في السنوات السابقة اضطراباً رهيباً، التحول السريع في تعاطي المستخدمين مع التكنولوجيا الجديدة وثورة الأجهزة الذكية أربك العملاق التقني ودفع مسيري الشركة في تلك الفترة إلى الاستعجال في اتخاذ قرارات في وجهة نظري زادت وضعهم سوءاً، كان رهان مايكروسوفت على إرثها الكبير ومكانتها التي ظنوا أنها في معزل عن الأزمات، كابرت الشركة وحاولت أن تواكب الأجهزة الذكية الجديدة بطرح نسخة من نظام ويندوز فون وروجت لوجود حزمة الأوفيس بشكل حصري على أجهزتها، اتبعت هذا الأمر بطرح الجيل الأول من مايكروسوفت سيرفس بنظام ويندوز ٨ الذي طالته تحديثات جعلته نظاماً هجيناً لا ينتمي لأي تصنيف تقني واضح، وبدا سيرفيس-١ الذي روجت له أنه الجهاز اللوحي الحقيقي وكأنه مجرد جهاز كمبيوتر بشاشة لمس.. لم يتوقف الأمر عند هذا فأطلقت مايكروسوفت نظام ويندوز RT والمعني بالأجهزة اللوحية، وحاولت أن تستقطب المطورين لإطلاق برمجياتهم لهذا النظام الغريب والذي لا مبرر لوجوده.. كل هذه الإجراءات المتسرعة كان من شأنها أن تضع مايكروسوفت في أزمة حقيقية.. هذه الضغوط عجَّلت من تنحي الرجل الأول الذي كان خلف جميع هذه القرارات الخاطئة في سنة ٢٠١٤ وهو ستيف بالمر، وهو أحد مؤسسي مايكروسوفت وأبرز قياداتها.. ولكن كان جلياً أنه لن يكون رجل المرحلة، تولى منصب الرئيس التنفيذي خلفاً لبالمر رجل آخر جاء من الظل وهو ساتيا ناديلا الأميركي ذو الأصول الهندية، بدأ ساتيا مسيرته بوضوح مع نفسه قبل أن يكون واضحاً مع الساحة التقنية بإعلانه الاستسلام في مواطن الخلل والتركيز على نقاط قوة شركته وتطويرها.. أصر ساتيا على بناء شراكات مع بقية كبار المجال فأعلن عن إطلاق حزمة أوفيس للآيباد وبشكل مجاني، وأصبحت غالبية منتجات مايكروسوفت cross-platform بتوافق تام مع مختلف أنظمة التشغيل.. وضع ساتيا كل تركيزه في إعادة بناء ويندوز الذي تضرر كثيراً بسبب نسخة ويندوز ٨ السيئة للغاية وعكف على تطوير ويندوز ١٠ الذي أعاد مايكروسوفت بقوة لساحتها المفضلة.. فقد أعلنت الشركة مؤخراً أن عدد الأجهزة التي تعمل بنظام ويندوز ١٠ حول العالم تخطى نصف مليار جهاز.. عزز ساتيا صدارة مايكروسوفت وريادتها في تقديم الخدمات لقطاع المؤسسات والشركات واستثمر أكثر من ١٢ مليار دولار في تطوير وتوسيع البنية التحتية لشبكة مايكروسوفت Azure والتي تقدم أكثر من ٦٠٠ خدمة مختلفة عبر الكلاود.. اليوم نرى وبشكل جلي عودة مايكروسوفت للحياة وتطويرها تقنيات مبتكرة في مجالات لها مستقبل كبير وواعد.. فأهلاً بعودة مارد التكنولوجيا من جديد!